التخطي إلى المحتوى الرئيسي

العلم والتعلُّم

التحقتُ بجامعة سنغافورة الوطنيّة قبل أربع سنين لأدرس في كلّيّة الهندسة الكيميائية. والآن حان الوقت للتخرّج فيها. هذه المشاركة ستكون لتسجيل تجربتي وملاحظاتي خلال هذه السنوات الطويلة في الجامعة على حسب وجهة نظر الإمام الشّافعيّ.

الذكاء
غنيّ عن البيان أنّ الطلّاب في الجامعة أذكياء لأنّ الالتحاق بالجامعة ليس أمراً سهلاً. ويجب عليهم أن ينجحوا في الامتحانات الوطنية قبل التحاقهم بالجامعة. لذلك في رأيي الدخول في الجامعة بنفسه نجاحّ بالغٌ يدلّ على ذكاء الطلّاب.

الحرص
خلال هذه السنوات في الجامعة درسنا كثيراً لكن كم منّا نتذكّر الآن الأشياء التي درسناها في السنة الدراسية الأولى؟ معظمنا لن نستطيع أن نذكر شيئاً عنها. هذا لأنّنا لا نهتمّ بتعليمنا. كلّنا نريد أن نُنهيَ دوراتِنا في أقرب فرصة ممكنة لكي نتخرّج في كلّيّاتنا بسرعة. هذه الظاهرة منتشرة في الجامعات هنا. كلّ الشخص يريد أن يدرسَ تخصّصه فقط لأنّه يحتاج إلى شهادة تُمكّنه من نيل وظيفة في المستقبل. من المرجّح أنّ السبب وراء هذه الظاهرة هو مجتمعنا. فإنّه أصبح مادّيّاً في زمننا هذا. من المستحيل أن نعيش حياةً مريحةً إن لم يكن لدينا مراتب متواضع. لذلك كثير من الطلّاب يضحّون بأحلامهم ويختارون تخصصات تعطيهم وظيفة محترمة عند تخرّجاتهم في الجامعة. نتيجة لذلك الطلّاب لا يحرصون على علمهم لأنّهم يفتقرون إلى رغبة تلهمهم في دراساتهم الجامعيّة.

الاجتهاد
لاحظت أنّ في الجامعات يتنافس الطلّاب بعضهم مع بعض ليكونوا أفضل من الآخرين وليس من أجل زيادة علمهم. إنّهم مجتهدون لا شكّ فيه لكنّهم يجتهدون تجاه هدف خطأ. من المحتمل أنّ كلّ هذا التنافس سيُتعبهم وقد يجعلهم مهملين بمرور الوقت.

الغربة
في عالمنا اليوم أصبح السفر شيئاً سهلاً فنحن نستطيع أن نقطع مسافات طويلة في دقائق معدودة. مقارنة بالماضي لم نعد نسافر إلى البلدان الأخرى لتوسُّع علمنا بل نسافر لنقضيَ إجازاتنا مع أصدقائنا وعائلاتنا. المقصود بالغربة هو أن نسافر بعيداً طلباً للعلم بمفردنا لأنّ العزلة خلال سفرنا تسمح لنا بتدبّر عميق. إنّنا نسافر إلى الجامعات الأخرى لكنّنا لا نشعر بالغربة كما عرّفها الإمام الشافعي.

صحبة الأستاذ
الجامعاتِ تَتَّخِذُ نظامَ المحاضرةِ وسيلةَ التعليم الرئيسيَّة. بسبب هذا النظام انكسرت الصلة بين الطالب وأستاذه. أصبح الطالب واحداً من آلاف الآخرين. لم يعد لديه صحبة أستاذه كما قصده الإمام الشافعي. هذا يؤثّر على جودة تعليمه في شكل سيّء.    

طول الزمان
لن نُتقنَ عملاً إلّا بالصبر والممارسة. لكنّنا أصبحنا مستعجِلين ونريد أن نرى النتيجة فوراً. هذا غير ممكن لا سيّما في الجامعات حيث تكون الدراسة في المراحل المتقدّمة. من الواجب على كلّ الطالب أن يكون مستعدّاً لتلقّي العلم وأن يستمرّ في طلب العلم. هاتان هما صفتان يتميّز بهما الطالب الجدّيّ فهو يدري أنّ إتقان العمل يستغرق وقتاً طويلاً من الزمن.

مع الأسف الطلّاب لا يُدركون قيمة كلام الإمام الشافعي من حيث التعليم. أنا كذلك لست بريئاً إلّا أنّني سأحاول أن أغيّر نفسي. شكراً جزيلاً

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

سيرة حياة أحد أبرز الشيوخ في زماننا

االشيخ أحمد ديدات كان رجلاً عاكفاً لدينه الإسلام. بذل جهوده في نشر الإسلام ولم يكن يعرف معنى الخوف. دعا العماليق النصارى إلى المناظرات معه. وقضى حياته بكافّة أشكالها في خدمة الإسلام. كان رجلاً ذا حِدّةِ الذكاء وسرعة البديهة. درس الإنجيل خير الدراسة حتّى تَرَسَّخَ في ذهنه وعرفه شبراً شبراً. أعلن الكثير من الناس إسلامهم بعد سماعهم إلى محاضراته القويَّة. إنّه الشيخ أحمد ديدات "فارس الدعوة" كما لُقِّبَ.  بداية حياته وُلِدَ الشيخ أحمد حسين ديدات لِأبوين مسلمين عام ١٩١٨ في قرية بالهند تُدعى سورت. كانت الهند في ذلك الوقت مستَعمرةً بريطانيّةً. بعد فترة قصيرة من ولادة أحمد ديدات ذهب أبوه إلى جنوب أفريقيا بحثاً عن وظيفة من أجل لقمة عيشه. كبُر أحمد ديدات لا يرى أباه لتسع سنواتٍ كاملة. في التاسع من عمره قام أبوه بتنظيمات عدّة من أجل تنقُّل أحمد إلى جنوب أفريقيا ليُساعده في العمل في خانته حيث عمل خيّاطاً بسيطاً. كان فقيراً للغاية. وبِدعوة أبيه لِيَنضَمَّ إليه في جنوب أفريقيا كانت تلك هي أوّل مرّة رأى فيها البحر والسفينة. سافر وحيداً بدون رفقة أمّه تَلبِيَّةً دعوة أبيه. يا لسو...

المجالس مدارس

المجالس في الثقافة العربية تربّي الأجيال القادمة وتعلّم الصبية الصغار مهارات عديدة في مختلف جوانب الحياة حيث ينشؤون على أيدي الكبار. يراقبون كبارهم ويلاحظون كيفيّةَ إقامة المهامّ في الحياة اليوميّة. لذا تصدق المقولة "المجالس مدارس". هذه الآليّة لتربيّة الصغار يعود إلى الحياة القبليّة عند العرب. كانوا يسكنون الصحارى ويتنقّلون من مكان إلى مكان بحثاً عن العشب والماء. علاوة على ذلك كان لديهم الأعداء في كلّ مكان. بسبب هذا كان من الواجب أن يكونوا مستعدّين للقتال في أيّ وقت. إن لم يكونوا متيقّظين أعداءهم سيقضون عليهم. ها هنا تظهر أهمّيّة المجالس. إنّها تدرّب صغارها في القتال والتجارة والسياسة. لكن في الثقافة الهنديّة لا توجد آليّة مشابهة لآليّة (المجالس).هذا لأنّ الهنود عاشوا حياة مختلفة تماماً عن العرب. تلبّي المجالس حاجّة إجتماعيّة وإقتصاديّة وسياسيّة. الصغار الذين يرتادون هذه المجالس يلاحظون كيف يتصرّف الكبار مع بعض وكيف يتحاورون وكيف يعبّرون عن آرائهم أمام الآخرين. لكن في الثقافة الهنديّة الصغار ليس لديهم الفرصة ليجتمعوا مع الكبار ليتعلّموا منهم دروس الحياة. أشعر بأنّ ...