ا مقدّمة
كلّنا نريد أن نكون ناجحين في الحياة. لكنّنا لا ندري كيف. السرّ يكمن في كيفية التعامل مع تجاربَ فاشلةٍ بشكلٍ إيجابيّ. إذا نظرنا إلى بعض الشخصيّات المشهورة علمنا أنّ حياتهم كانت مليئةً بالحرمان وتجارب فاشلة. لكنّهم نهضوا من الأسفل إلى الأعلى بقوّة لا مثال لها. على سبيل المثال نعرف أبراهام لينكولن وسيرة حياته. كذلك مالكوم إكس وتوماس إديسون ودكتور عبد الكلام وغيرهم. جاء الكلّ من الظروف القاسيّة وجعلوا من حياتهم اسماً وشهرةً لأنفسهم ليَحفَظَها التاريخ فيما بعد. الفضل يعود إلى عزمهم وكفاحهم ألّا يكونوا مهزومين أمام فشلهم. العبرة التي نستطيع أن نستمدَّها من خلال حياة هؤلاء الرجال هي ألّا نستسلم أبداً مهما صَعُبَ النجاح وأن نصرَّ في محاولاتنا حتّى حقّقنا أهدافنا. في هذه المشاركة سأنبيكم عن تجربة شخصيّة حصلت لي في تعلُّم اللغة العربيّة تُؤكّدُ على صدق ما سبق.
ما كنتُ متفوّقاً في اللغة العربية من قبل. إنّما كنتُ طالباً عاديّاً الذي لم يكن يعرف كيفيَّة القراءة ولا الكتابة باللغة العربيّة. واجهت الكثير من الفشل وخيبة الأمل خلال سفري في تعلّم هذه اللغة. لكنّني تعاملت مع فشلي كما تعامل لنكولن مع فشله واستطعتُ أن أستمدَّ من تجاربي الفاشلة طاقةً مَكّنَتني من تحقيق حلمي.
طفولتي
وُلِدتُ في عائلة لا تعرف اللغة العربية. لذا لم أكن متعرّضاً إلى هذه اللغة منذ صغري. كبُرتُ أسمع أصوات اللغة التاميليّة فقط حتّى دخلتُ المدرسة. حتّى في المدرسة لم أسمع اللغة العربية بل اللغة الإنجليزية. وهكذا مرّت الأيّام والسنوات حتّى رُحتُ إلى المدرسة الثانوية حيث وجدت عدداً متواضعاً من زملائي يُسجّلون في برنامج لتعليم اللغة العربية كلغة أجنبية لغير الناطقين بها. ما استطعت أن أسجّل في ذلك البرنامج لأنّني كنت طالباً ضعيفاً في الموادّ الأخرى والأكثر أهمّيّة بالمدرسة. لأنّني مسلم كنت دائم الفضول بنسبة إلى اللغة العربية حتّى ولو لم أسجّل في البرنامج السابق. فأردتُ أن أتعرّفَ على هذه اللغة الجميلة مهما طال الانتظار. لم أجد أيَّ شخصٍ آنذاك بإمكانه أن يُعلّمني اللغة العربية لأنّني كنت محاطاً بالذين لم يتكلّموا العربية. فصبرت صبراً متمنّياً أنّ سرعان ما يتحقّق رجائي.
بداية التعلّم الذاتي
مرّةً حين كنت في المدرسة الثانويّة ذهبت إلى المكتبة العامّة لاستفادة من الكتب الموجودة فيها وعثرت على كتابٍ لتعليم اللغة العربية للطلّاب الأجانب. فاستعرته فوراً وبدأت أقرأه. لكنّني ما فهمت شيئاً منه. حاولت أن أَحفَظَ الكلمات باستمرار لكنّني فشلتُ. هكذا كان الحال في البداية. على الرغم من أنّني حاولت عشرات المرّات لم أتمكّن من أن أحفظ الأكثر من الكلمتين أو ثلاث كلمات فقط. كذالك حاولت أن أكتب في كرّاستي كلّ الكلمات الموجودة في ذلك الكتاب. واجهت الكثير من المشاكل في هذه الفترة. لكنّني علمت علماً يقيناً أنّ جهودي المبذولة لن تتضيّعَ أبداً. إنّما هي أساس سليم سأحتاج إليها لاحقاً. هذا الذي أوقد النار فيَّ لأستمرّ مكافحاً لطلب العلم. بعد برهة من الزمن حقّقت نجاحي الأوّل. أخيراً فهمت معنى جملة كاملة في اللغة العربية ألا وهي "لماذا أنت هنا؟"
المزيد من الفشل
بعد تحقيق أوّل نجاح لي أقبلتُ على جمع المزيد من العلم وذهبت إلى مسجد فيه الدروس العربية برفقة صديق قد كان يدرس فيه. لكن لمّا وصلت إلى الصف لاحظت أنّ الطلّاب في ذاك الصف كانوا متقدّمين في دراسة اللغة العربية وما فهمت أيّ شيء مرّةً أخرى. جاءني الأستاذ في وقت الاستراحة وقال لي إنّي لست مناسباً لحضور فصله فخجلت من نفسي ورجعت إلى بيتي حزيناً وبخيبة الأمل.
بعدما التحقت بكلّيّة الهندسة في جامعة سنغافورة الوطنيّة سمعتُ من أحد أصدقائي أنّ في كلّيّة الآداب امتحان لغويّ للطلّاب الجدد لتقسيمهم إلى المستوى المناسب على حسب مهاراتهم في اللغة التي يرغبون في دراستها. حضرت الامتحان للغة العربية ورأيت عدداً كبيراً من الطلاّب يقرؤون ويكتبون العربية بشكل جيد. أتذكّر الدكتور عمر يسألني "هل كفاك يا عبد العزيز؟" كلّما واجهت صعوبة في فهم ما يجري في الفصل. انتهى الامتحان بي إلى المستوى الأوّل رغم كل الجهود بذلتها.
تحقيق النجاح
بدأت دراسة اللغة العربية من الصفر مرّةً أخرى وتدرّجتُ شيئاً فشيئاً في المستويات حتّى أكملت المستوى السادس في جامعتي. لم أكن أحلم بأنّني سأكتب نصّاً طويلاً كاملاً كهذا باللغة العربية فيصدق القول "مَنْ جَدَّ وَجَدَ"
تعليقات
إرسال تعليق